.
.
ما أزعج تلك الأصوات العالية !! يصيح صوته الداخلي مستبدًا بإحساس أبوته
!
يطلق سهام نظره نحوها
ها هي .. لم تبتعد عني يوماً .. لماذا سكنت روحي و صمتت كل الأصوات
!
أقول أني اخترتها .. و يقال أنها انتــقتني
و حين اتساءل في دهاليزي .. كيف و انا الرجل العادي جدا ؟؟
تباغتني بابتسامة تقول .. انا لك وحدك
!
أما عندما تمالكت بقاياي .. و كسرت أحد أقفال باب الدهليز الأوسط ..
قالت .. لأنك المـــاء
و ينتهي جوابها .. كما بدأت .. بإشراق مبسم يؤكد
.. أنني فيها .. أو هذا ما أحب أن اصدقه
ًكانت البداية تقليدية ... و كنت صامتاً جدا
... كمن يرقب حدوده الدولية ... خائفاً من غزوٍ بربري يمحو مورثات و يستعبد حريات
حروب كثيرة ... لم تتجاوز ساحاتها عقلي انا
و لم تفقدها تلك الروية في توزيع نظراتها بدقة ... كأنها تتفقد معقل حروبي .. أي عقلي
لم أكن ظالماً .. أو أنها كانت متسامحة! المهم أنها لم تشعرني بكم السوء في نفسي
يلفني في كثير من الأحيان .. همُ جوابها المبهم
... ألم يقر قرآننا المبجل .. بأن خَلقُ الله سبحانه .. من ماء
كيف إذا تميزت حضرتي بكونه من ماء !! غريبة هذه المرأة !! لكنها مني
أسوء مراحلنا .. حين كانت الأصوات تطغى على صوتي
.. لم أكرههم ابدًا ... لكنهم منافسون و شرساء
مسموح لهم استخدام أفظع الأسلحة .. قد حرِِمت في العُرف علي
الدمــــــــــوع
.
.
و تنازعناها
" ... ما تشدج .. ما تشدج انته "
تماماً مثل ذلك المشهد لسعاد حسني ... لكنها و الحمدالله
لم تتمزق
... ظلت تتقن تهدئة روعي حين الفزع
... و ظلت تجيب بثغر باسم .. كلما صاح مجنون في دهليزي الأسفل
... حي على العـــداء !! فهل كانت تسمعه
؟؟؟
لم افكر الا بخططٍ تعيد لي مجدي .. و تقطع دابر كل صارخٍ أناني منهم
.
.
و حين زادت مصائبها المسكينة
و تكالبنا عليها ننزع من حنانها و اهتمامها قطعاً كبيرة
... كلٌٌٌٌٌٌٌٌ يحفظها في خزينة أمانه
تعبت هي .. لم أسعفها أنا الا بعيون تذوب
من فرط التفكير .. بإهمال لا استحقه منها
كانوا قساة ... فاضطررت أن أكون ذئباً و في رواية اخرى مهــــوساً
الى أن .. تهات .. و بهتت ..اصفرت و احمرت
..عندها قررت التنازل .. بل التحايل
.. و بدأت بالتدخين
- لا ترون منطقاً من أي نوع أليس كذلك -
حين أشعلتها أول مرة .. متحفزاً بكل شوق لمعركة مختلقة
..شهقت هي ..وضعت صغيرنا بقربي
و اختفت ... لحظات ... و اذ بها مصممة على الثأر .. بمقصٍ حاد ... و كأس ماء
!
طفلك ينتظر أن يكبر كي يعرف روعة والده .. لم تحرمه من هذه الروعة ... ؟
لمست خدي بظاهر كفها ... برقة أسكرتني
لم افق الا على صوت .. تشششششش .. سقوط السيجارة في كوب ماءها
و اختفت مرة أخرى ... لم اشعر بنشوة منذ زمن ... حتى غارتها تلك
... نجحت الخطة
:)
.
.
في لحظات شوقي ... لم يكن مني الا ان اشعل سيجارة ... و اتظاهر بالتدخين
... فتقطع أي عملٍ هي في خضامه ... مهما كان
و تجزل علي العطاء اهتماماً ... لم اتلذذ الا به
.
.
اشتكى صديقي العزيز .. من انسحاب زوجته
... و رحليها عنه و عن دورها كشريكة حياة ... الى أم تدور و تدور ... حول فلك أبنائها
... قلت له بكل بساطة و بنبرة انتصار عبقري آمنت به
عزيزي لم ينقذني من دوامة احساسك الحالي
الا سيجارة
.
.
أسابيع
و عاد .. بملامح شيخ كبير ... و روح مفرغة من أي حياة
... قد باءت بالخزي و العار ... خطتك المدخنة !! لم تكلف نفسها تبيان الأمر
.. صرخت و هي على بعد أبواب و ممرات ... حين تنشقت رائحة دخان
... أن كنت تدخن فأخرج لا تنقصني أمراض أخرى
.
.
حينها .. أكبرتها ... أكبرت من كانت تلهث كي أشعر بأنني ماؤها
... كي أدرك أنني لم أزل بؤرة اهتمامها
حين تسقيني عذوبة ماء طاهر ينبع من قلبها الذي انتقاني .. دون أن استحقها
تكلم صاحبي ... دون أن اسمع شيئا
قلة ذوق و احساس مني ..فأنا شرير حين افكر بأنانية
!
... كانت تعمل جاهدة كي تقربني منهم
حين شعرت أني افقد بقايا عقلي والسبب غيرة رجل غبية
.
.
حين أشعلها ... استفزازاً لانتباهها
... أما ان تأتي بمقصها الشهير .. و كأس مني .. أقصد من ماء
أو تحوطني بهم ... و يعزفون مقطوعة سعال مضحكة ... و هي معهم
.. فأقهقه فرحاً بما أملك
و من هذا المشهد تتسلل الرسالة الذكية منها
أنت ... في نقطة المركز ... دائما
... و لن أمل من الحفاظ عليك ماءً نقياً
.
.
اكره التدخين و اكره رائحته ... لم أدخنها يوماً
... أشعلها ... و اتظاهر ... فقط لا غير
... خسائر مادية طفيفة ... اذا قلت أنني الجأ لهذا التكنيك بين أسبوع و آخر
... أغرق بهم وانسى سخافاتي و حربي بخططها
حتى يعود الطفل في داخلي طافياً على السطح بطمعه المستعر ... فأبحث عن عدة النجدة
... و إذ بها تخفيها
هذا غير رحلاتها لجمعية مكافحة التدخين
... و الاشرطة التي تلحقها بعبارات عاشقة
مثل
ليكن قلبك بروعته
... لكي أعيش أنا ... و يراك أبناؤنا كما رأيتك و أراك
... أطير فرِحاً بهذه المحاولات منها ... فاستمتع أكثر برحلة التظاهر
.
.
لم اشعر بالذنب لتحميلها هماً ثقيلاً ... حقي في أن أحافظ على حقي ... و لا ضير في ذلك
... الحاجة أم الاختراع ... و الغاية تبرر الوسيلة فقط في حال رفضك لأن تستجديها بالدمع و التشبث
الحقيقة أنني فكرت في هذا الخيار لكن تمسكت يائساً بعزتي
.. حتى هداني الله لهذا الطريق الملتوي .. نعم ... الفعال .. جدا
الان عرفت أنها هي فقط سر فعاليته
... أتراها كشفتني ... و استمرت في المسرحية رأفة بحالي
؟؟
لا أظن ... رغم أنها ذكية ... بل عبقرية كما توصلت اليه أخيرا
.
.
بعد حادثة صديقي المطرود ..و التي تسببت بها بطريقة غير مباشرة
فقط لأنني ظننت أن زوجتي كبقية النساء !! ظلمتها أليس كذلك ؟؟
هل بعد صفعة الحقيقة الخفيفة تلك
... و أدراكي أن كل هذا النجاح الباهر .. لم اكن الا أغبى صناعه !! و لها الفضل بعد الله فيه
سأعتزل التدخين المزيف معترفاً لها بكل ما كان
؟
سبع سنوات صعبة ... وصفت بدايتها سابقاً .. بأنها أسوء مراحلنا معا
و الآن ..أراها قد أبحرت بعيداً بعيداً عن أي بشاعة كانت تتجه نحوها
بفعل ذلك المجنون القابع في دهليز لم أزره من مدة ... و طفل لم تجبره هي على النضوج
... و استمرت في تدليله و احتوائه حتى ملكت منه كل ما ملك من نفسه و ما لم يملك
حتى بات يمطرها بأضواءٍ من كاميرا رقمية اشتراها بعذر توثيق طفولة أبنائه
... و لم يكن يصورهم ... الا و هي في الصورة
فقط لكي يختار في كل مرة إطاراً ناعماً مثلها تماما
... مثل لمستها الأولى حين ارتعبت من دخان لم يطئ جوفه
يتأمل ما يتوسط الاطارات
منتظراً دون وعي منه لكي تفرغ هي من شؤون غصونه الثلاثة
فيترك تلك الصور ... و يستبشر بسؤالها عن يومه
و بسمتها التي لم تتغير ... لا زالت تؤكد له حين يطرق ذلك المعتوه الباب ... أنها له
و لا زالت ترد على ذلك السؤال ... بنظرة متقنة مطمئنة
هكذا ... بكل انسياب ... جعلتني أوقع على هدنة ... معهم ... و معها
... رغم حاجتي بين فترة و اخرى ... للخطة السرية
أو انها روضتني ؟
متى يذهب هذا المنحوس الشاكي ؟
فأعود لها مقراً معترفاً بطفولتي المتأخرة
.
.
.
.
للشاي وقت ثابت .. تعودنا على احترامه
.. وضعت عدة النجدة السابقة .. على طاولة من خشب المزخرف
.. تلك التي خدشها طفلي الأول بلعبته .. غضبي لحظتها لم يكن مبررا
بل مشاعر متسربة من ضيق مزاحمته لوقتي معها
! ضحكت هي على ردة فعلي
.. و قالت بأنه يضع لمساته الخاصة .. يوقع كوالده تماما
.. ألجمتني ملاحظتها
.. فأنا أحب التوقيع على أشيائي المفضلة .. بكتابة اسمي .. أو حتى رمز ما
يومها .. بدأت أنظر لأبني المزاحم بطريقة ألطف
.. لم يعد منافساً بمعنى المنافس
.. هو كائن لا يحترم دور الاخرين ... فقط
شعرت أنها قريبة .. قبل أن أراها .. انتشرت رائحة عود أحبه
.. هدية زواجنا .. من والدتي لها .. كم هي وفية زوجتي
.. بحرصها على ذكرى أمي .. رحمها الله
حين رأت علبة السجائر و الولاعة
.. سحبت مقصها ذو المقبض الأخضر من الدرج
.. و وضعته على نفس الخط معهما
بدأت الحديث .. بمقدمة فاشلة .. ألومها على أمور هي في الحقيقة لا تهمني
... فقط كي تشعر بذنب يجعلها تتجاوز خداعي لهم جميعا
بهدوء و روية تقول : كل هذا و صابر
!!
ممتاز .. الحوار يسير كما هو مخطط له
... الان يأتي وقت الافصاح عن سري المشتعل المعكر لصفو رائحة المكان دوما
تكلمت باندفاع و استماتة ..حتى قتلتني بنظرة مختلفة ... لا معنى لها سوى
أن لا جديد تسمعه الان !! كانت تعرف
قالت بصوت خفيض جدا .. مخففة من وطأة صدمتي التي بعثرت ملامحي كلها
منذ بداية الجنون .. لم أرك يوما إلا حاملا لها .. اقرب مسافة كانت
و اقتربت مني لتلك النقطة .. فسرت كهرباء خاصة بنا في جسدي كله ..حتى انتفض
لأنك الماء ..أراك بكل وضوح
... لانك شفاف .. فمنذ يومنا الأول .. كنت سعيدة برؤية عمقك اللامع
لأنك الماء .. اخترتك .. فأنت مني
.
.
رائحة بخور .. احرقت عيني .. و أسكبت ماء .. تصفه بعض الحضارات بالدمع
.. كم أنا محظوظ ! وأشعر بقوة أنني غير عادي .. لأنها غير عادية
.. و ها هي تصرح .. أنني منها
.. و أنها تراني ماءً رقراقاً ينساب كجدول
كاشفاً بشفافيته عن قاعٍ مليء بصخور ملونة
.. أعادت ترتيبها كي تناسب انسكاباً هي الاخرى فيه
.. ذات الجدول أقصد .. و هو نفسه الذي يسقي جذور شجيرة جميلة لها أغضان ثلاثة
.. أعشقهم لأنهم يحملون دفأها
مسحت هي تلك القطرات العزيزة جدا
بهاتين ( وتشير على عيناي ) .. كنت تتبعني أبدا .. فأعرف أنك مشغول بي
هما من أنقذاني أنا الأخرى
مسحت على قلبي .. فسلمتها مفاتيح كل دهاليزي
.. و أظن ان ذلك المجنون .. قد أعدم غرقاً بالعاطفة
.
.