مولدات أجر

لما نحاول نحن بني المسلمين نكسب أجر، غالباً نحاول كسبه عن طريقين
إما أن نكسب الأجر في الآخرين
أو نتكسب من وراهم

كيف؟

لما الواحد منا يبغي يكسب أجر في أحد فهو إما يساعده مادياً أو معنوياً
و لما يبغي يتكسب من وراه، فهو يخليه يعمل عمل معين عشان ياخذ أجر كأجره

مع تحفظي على فكرة النوع الثاني من تكسب الأجر ،بالرغم من وجود نصوص في كتب التراث الإسلامي
إلا أنني لم أجد نصاً قرآنياً يثبت صحة فكرة الدال على العمل يتساوى مع العامل في الأجر
و منطقياً ما تدخل الراس ، لأنها ظلم
فكيف يتساوى من يقترح فكرة مع من ينفذها؟
و من يتحدث فقط بمن يعمل بجد؟

و إللي حاصل عندنا قبيل شهر رمضان هو أن هنالك حملة يشنها الدعاة و المحدثين
أساسها تكسب الأجر من المسلمين، فهم يبذلون مجهود جبار عشان يضمنون أكبر عدد ممكن (مولدات الأجر و الثواب) إللي هم نحن المسلمين البسطاء
فبحسبة بسيطة من عقلية مثل عقلية هؤلاء المسمون مجازاً دعاة
لو استطاع أحدهم جعل مليون شخص في العالم يصلي القيام في رمضان ، فله أجر 30 مليون صلاة قيام طول شهر رمضان
و نفس الحسبة لو أقنع مئة ألف من ختم القرآن 3 مرات ، فله أجر 300 ألف ختمة في الشهر
و طبعاً نضرب الحسبة في سبعمية ضعف ، و منها يصير هذا الداعية في عليين في شهر واحد و من غير أن يضاعف مجهوده أو يتعب روحه!

أما باقي مولدات الأجر و الثواب - إللي هم نحن- فلا يتجاوز أجرنا سوى أنفسنا و لربما كم شخص معانا أقنعناهم بان يكونوا مولدات أجر لنا

في الحقيقة أنا غير مقتنع بحقيقة نظرية -مولدات الأجر- المطبقة في حياتنا و أسلوب تعاملنا في دينا
لذا أنا أرى أن من يتبع هذا الأسلوب هو شخص إنتهازي و مخرب لخطط حياة الآخرين و ينتهز الدين ليشوش تفكير الناس و يخليهم في خدمته و مضاعفة رصيد حسانته، و يالها من فكرة مجنونة ، كيف استطعنا تصديقها و تبينها و تطبيقها!

الأسلوب الآخر في كسب الأجر ، هو كسب الأجر في الآخرين
و نشاط هذا النوع يزيد في رمضان بكثرة ، و يكون من النوع إللي يدخل الفم و يملأ المعدة
و شي من الخردة تلقى في صناديق موزعة بذكاء في أرجاء الجمعيات و المساجد

أننا بهذا الأسلوب قد نشعر بشيء من الرضى الداخلي ، و لكن طريقة التصدق هذه طريقة أصبحت ( كليشية) لان
طبعاً هنالك من أرشدنا لهذه الطريقة و حثنا عليها ، عشان يكسب من ورا عملنا أجر!
نحن في الواقع لسنا عباد رمضان كما يحاول أن يسمينا البعض، و لكن نحن وقعنا في شرك التشويش و التضليل في موسم رمضان من فئة انتهازية، قلبت حياتنا في هذا الشهر رأساً على عقب ، و رسمت لنا خطة يومية رهبانية تبعدنا عن طبيعتنا الإنسانية التي تعود لنا بعد رمضان
و ما بين التجربة الرهبانية و الحياة الإنسانية ، نعيش ما بعد رمضان شعور ذم النفس و إنتقاص قدرها دون الإنتباه بأنا خالفنا فطرتنا الإنسانية في شهر، لاننا سمحنا لأنفسنا بأن نكون رهبان و مولدات أجر
و ياليت أستطعنا استشعار الروحانية في التأمل و التفكر و التدبر بهدوء
و ياليت استطعنا أن نعيش بهدوء في هذا الشهر بعيد عن إزعاج الآخرين في حثنا على القيام بأمور معينة خارج إرادتنا لان سماحة الدعاية قال كذا ، أو لأن عادتنا و تقاليدنا تحثنا على كذا

لهذا السبب شهر رمضان اصبح عارض و موسم مختلف
لاننا في الواقع في هذا الشهر نحن أهداف لمخططات الآخرين و إعتقاداتهم

و ما بين كسب الأجر في الآخرين و التكسب منهم
أين نحن من كسب الأجر في أنفسنا؟
نرحمها و نطورها و نجعل من أنفسنا أشخاص أفضل

ليش نخلي رمضان شهر استثنائي له نشاطات مختلفة ، غالباً بعيدة عن أهدافنا
كم من الأهداف الشخصية تتأجل لما بعد رمضان؟
و كم من المشاريع الشخصية تتوقف لمجيء رمضان؟

نحن جعلنا رمضان عبأ ، و هو شهر لا يختلف عن باقي الأشهر سوى ان نظام الأكل فيه يتغير
نقوم بأفعال معينة عاقدين الأمل بأنا سنتغير في أيام ناسين أن التغيير
عملية تراكمية تاخذ حقها من الوقت و العمل و الفهم الصحيح للذات

لذلك عزيزي قارئ هذه السطور، لا تجعل من رمضان شهر عارض بأسلوب حياة مفروضة عليك من الآخرين، آمالاً بأن تخرج منه إنسان أفضل، فلن ترضى عن نفسك بعد رمضان و هذا شي أكيد
لأن لكل إنسان أسلوب حياة تناسبه ، و لكل إنسان ظروفه الخاصة

كن أنت و عش الحياة التي تريد ، و لا تكن ( مولد أجر) للآخرين

تنويه:
كاتب الموضوع هو بن علي و ليس أحلى إنجنير